إيمان أبو شاهين يوسف
أول ما أُنزل في القرآن الكريم قوله تعالى: "اقرأ باسم ربّك الذي خلق* خلق الإنسان من علق* اقرأ وربّك الأكرم* الذي علّم بالقلم* علّم الإنسان ما لم يعلم*" (سورة العلق)..
إن كان يدلّ ذلك على شيء، فهو يدلّ على أهمية القراءة ومكانتها، لذلك نجد بأن هذه الآية كما غيرها من الآيات القرآنية التي تتكلم عن القراءة والعلم، فإنها تحثّ على طلب القراءة والمعرفة لما فيهما من خير ومنفعة للإنسان سواء في عبادته، أو في حياته الدنيوية.
فالقراءة هي الأساس المتين الذي يمكن للإنسان أن يبني بواسطته بناءه العقلي والوجداني، وهي السبيل الذي ينهل منه ماءً زلالاً، يروي به كل زوايا الظلمة والجهل في داخله، لتنمو مكانها بذور العلم والعرفان، وتمتد نحو الشمس لطلب أنوار الحقّ والحقيقة.
فالقراءة هي مفتاح لخزائن المعرفة، وطريق النجاح والرقي. وما من أمّة آمنت بالعلم والقراءة وجعلت منهما قيمةً ملازمةً لحياة الناس فيها، إلّا وتمكّنت من تولي زمام القيادة لكي تصل إلى موقع الرّيادة. وعكسها تماماً تلك التي أخذت استراحة، وتخلّت عن القراءة، لتستعيض عنها باللهو والفراغ وسطحية المعلومات، وسارت دون أن ترى أو تدرك، في الطريق الذي يوصلها إلى الهلاك والفناء.
وعندما نقول: اقرأ. لا نقصد بذلك قراءة محددة بذاتها، إذ إن للقراءة عدّة أهداف، منها للعبادة، ومنها للتعلّم من أجل الحصول على وظيفةٍ، ومنها من أجل صقل شخصيتنا وتعزيز مواهبنا والتمكّن من الخلق والإبداع، ومنها من أجل رفع مستوانا الثقافي وزيادة مخزوننا المعرفي، ومنها من أجل التسلية والترويح عن النفس عبر قراءة القصص والنوادر وبعض اللمعات الفكرية، ومنها لمتابعة ومعرفة كل ما يدور حولنا من أوضاعٍ وأحداث سواء أكانت سياسية، اجتماعية، أمنية أو غير ذلك.
والأهم من كل هذه الأهداف للقراءة هو أن يقرأ الإنسان عن نفسه، وتاريخه، ونسبه، وهويته، والأحداث التي واجهها أو عايشها...حتى يستطيع أن يحمي نفسه وشعبه ووطنه، ويتصدّى لأي عابثٍ أو متسلط يطمح لتضليله وتشكيكه بنفسه وتزوير تاريخه من أجل إضعافه والسيطرة عليه واحتلال أرضه واستثمار خيراته.
كما علينا أن نقرأ من أجل مواكبة أي تقدّم وتطوّر علمي سواء كان بحثاً، دراسةً، استنتاجاً، معادلةً، اختراعاً أو اكتشافاً، حتى نبقى في مقدمة الشعوب نقود ولا نُقاد.
والشعب الذي يحترم ذاته، ويصمّم على الحفاظ على مستواه ومقدّراته، يعزّز قيمة القراءة، ويشجّع عليها، فيخصّص لها المناسبات والأعياد حتى تصبح من الطّقوس المقدّسة التي ترتقي أعلى المراتب.
وبمقارنةٍ بسيطة بين شعوب العالم اليوم، نجد أن من يعطي القراءة والمطالعة، سواء بالشكل النظري أو السمعي الأهمية والاهتمام اللازم، هو الذي يسير بدوله إلى الرّيادة، كما يسير بشعبه إلى السيادة، حّتى ولو كان يشتري أرض وطنه شراء، ويؤلّف تاريخه على أوهام وأكاذيب. وذلك فقط لأنّه جعل من القراءة قيمة إنسانية وأخلاقية تتقدّم كلّ القيم والمبادئ، وأوصل أفكاره، وزرع أهدافه، في كلّ عقلٍ وضمير من أبناء شعبه، الذي أصبح كصفحة ماء من لونٍ وجنسٍ واحد, لهذا، يُطلب منا اليوم كاتب صادق، مقتدر المعرفة والمراجع، يجب عليه أن يكتب عن نسبه، وشعبه، ووطنه، وتاريخه، وثقافته، وحضارته، وكلّ ما يتعلق وما مرّ على هذا الشعب من أحداث ومواقف وصعوبات وما حقّقه من نجاحات وانتصارات.
كما يجب أن يكتب عن كلّ من ينافس شعبه سواء بالعلم والمعرفة، أو بمحاولة التّسلط والسيطرة علية لسلب أرضه وثرواته. ويبيّن بكلّ صدقٍ ودقة نسبه وتاريخه ومآزقه والصعوبات التي مرّ بها أو النجاحات التي حقّقها ليعرّيه أمام نفسه والشعوب الأخرى، حتى لا يستطيع أن يحبك تاريخاً مزوراً لنفسه تقوم أمجاده على حساب الاخرين.
هذا ما يقوّي عزيمة شعبه لأنه استطاع أن يكشف العدوَّ على حقيقته كما استطاع أن يعّرف شعبه بصدق على ذاته وحقوقه. الأمر الذي سيدفع شعبه إلى الاستبسال من أجل كرامته وحقوقه وتاريخه وأرضه وإرثه، والحفاظ على حياة أبناء وطنه.
"وهذا يحصل فقط عندما تقرأ الشعوب."
- القرآن الكريم.
- القراءة منهج حياة. راغب السرجاني – pdf
- المشو إلى القراءة وطلب العلم – علي الغمران 2006 pdf
- القراءة في العالم العربي...احصائيات وأرقام تكشف عن الواقع المخجل- النجاح نت