ابرز نساء بني معروف - الجزء السادس - الست شعوانة رضي الله عنها

 الشيخ  مكرم المصري  - 24 -6 - 2022

الست شعوانة رضي الله عنها 

 بسبب قّلة المصادر الدينية التي تتحدث عن دور العبادة عند طائفة الموحدين وسيرة أصحاب المقامات سوف أعتمد في هذا البحث على مصدرين أساسيين الأول: المقامات التوحيدية في لبنان وسوريا وفلسطين والثاني: مقابلة شخصية مع سايس مقام الست شعوانة رضي الله عنها.

 بسم الله الرحمن الرحيم

  يحكى أن ملكاً كان عنده بنت صغيرة في السن وكان في زمانه سبعة من العباد الصالحين يعبدون الله سبحانه وتعالى اشتهِر خبرهم في البلاد وفاقوا على أهل زمانهم في العبادة. كان العباد قد بنوا خيمة يعبدون فيها الله سبحانه وتعالى بدل أن يسكنوا في بيت وهذا من شدة زهدهم في هذه الدنيا.

 عملوا بصناعة الحصر وكانوا بيعونها في مدينة بانياس ويأخذوا ثمنها زيتاً وشعيراً ليأكلوا من هذا الطعام الزهيد، وكان لباسهم الحصر التي يصنعونها حتى تقشرت أعناقهم.

 اجتهدوا في العبادة ليلاً ونهاراً حتى وصل خبرهم إلى الملك، فطلب مقابلتهم وأخذ يراقب طريقة عبادتهم وصلاتهم ويسمع الوعظ منهم حتى زهد في الدنيا وأراد أن يلتحق بهم ليعبد الله تعالى ويترك ملكه وابنته. 

عندما علمت ابنته بطلبه قالت له: خذني معك يا أبتي ولا تتركني وحيدة فيتصدع قلبي على فراقك ويتقطع كبدي حزناً عليك فيكون إثمي عليك أكثر من الثواب الذي ترجوه من ربك. 

 وكان العباد كلهم رجال وممنوع اصطحاب النساء فإضطر الملك على أن يلبسها ثياب الرجال وتتشبه بهم، عندها استطاعت أن  تذهب مع والدها إلىيهم، وأخذوا في العبادة معهم، وظلوا على ذلك الحال زمناً طويلاً حتى مرض الملك. وقبل وفاته بقليل قال لهم أوصيكم بإبني هذا والمقصود ابنته الست شعوانه (رضي الله عنها) التي لبست ثياب الرجال وعاشت معهم تعبد الله تعالى. 

 توفي الملك، وتابعوا العبّاد مع الغلام عبادتهم وعملهم بالحصر، وفي ذات يوم بينما كان الغلام في المدينة يبيع الحصر رأته إبنة الملك فأعجبها حسنه وجماله وطلبت منه بأن يعصي الله تعالى عن طريق الزنا، فرفض الغلام حاولت إغوائه كي يتزوجها فرفض الغلام مرة أخرى وانصرف إلى عبادة الله مع العبّاد، عندها اتهمته بتهمة كاذبة " الإغتصاب" ظنّاً منها أنه سيخاف ويرضخ لها ولكن عبثاً لم تستطع تحقيق أهدافها. وبسبب محبته/ها للخالق وتعلق قلبها بمحبته صبرت على هذه المحنه مع العلم انه كان بإمكانها ان تبرئ نفسها بقولها انها أنثى لكنها قابلت التهمة وكأنها حقيقة لتزيد في أجرها وعندما ذاع خبر تعديها على ابنة الملك أمروا بنفيّها الى أقاصي البلاد وتم نفيّها الى سهل البقاع في لبنان حيث هو مقامها اليوم وهناك استغرقت في العبادة والسجود ساعات طويلة لدرجة ان الطيور كانت تظنها جماد فتحط عليها. 

 وكان معها الولد الذي ألزموها به وقد طلبت من الباري تعالى أن يتولى امر الطفل فأرسل له غزالة تغذيه وبعدها طلبت من الله ان يريحها منه لأنه يعيقها عن العبادة فكان لها ما أرادت فكيف لا والله أوحى للملائكة انه لو أرادت نقل الجبل من مكان الى آخر فعلت ذلك كرامة لها. 

(وعزتي وجلالي لو سألتني أن أزيل الجبال عن أماكنها لفعلت ذلك إكراماً لها لأنها لم تشكُ ما نزل بها إلى أحد غيري)

 سخر الله لها الوحوش لحمايتها وغذائها حتى ذاع صيتها وكراماتها وبقدرة الله ظهرت براءتها وسمع السبع عباد بكراماتها واتضح امر بنت الملك وانكشف سرها فجائوا للقائها وكانت قد شارفت على الموت طلبت من العباد ان يتم تكفينها بثوبها فقالوا لها هذا لا يجوز لا بد من الغسل والكفن، عندها قالت اذاً شقوا ثوبي من عنقي فقط وعندما فارقت الحياة رضي الله عنها تقدم احد العباد السبعة ونفذ وصيتها وشق ثوبها فلاحظ ولأول نظرة انها امرأة فقال بحق الله انها إمرأة فجائت بعض النسوة التقاة وكشفن عليها وعلمن انها إمرأة وبقدرة الله تكفنت وبانت كراماتها. 


أيقن حينها الملك بأن ابنته كاذبة وتعدّت عليها وعلى العباد. فأمر بقتلها وقطع رأسها ويدار برأسها في الشوارع ويقولوا : هذا جزاء من صنع الفاحشة وادعى بها على أولياء الله تعالى. ودفنت الست شعوانه رضي الله عنها وتوكلوا في دفنها الملائكة كرامة لها، وقدّ تم دفنها مكان جلوس الناقة وأبت السير وشيد لها مقاماً يستبرك فيه المؤمنين.

 ومختصر قصتها مكتوب في خمسة أبيات شعرية معلقة في مقامها الشريف، إلى جانب ضريحها الطاهر .

 فتاة رأت بالله خير مؤانــــــــــــــس

  ومن عُذبت قهراً وظاهر أمرهـــــــا 

غلام يبيع الخوص بالزهد يكتســـي

  وظلماً فتاة اتهمته بمنكـــــــــــــــــرٍ 

فعاش كئيباً في الورى عيش بائس  

وصيّته عند الوفاة لشيخــــــــــــــه 

ألا قُد عند الصدر ثوبي وملبســـي 

 فلما رأى أنثى أجاب مكبــــــــــــراً     

   هنيئاً لها نالت نعيم الفرادس