على الرغم من الواقع المرير الذي يشهده لبنان لناحية الإنهيار المتسارع في مختلف مؤسسات الدولة وطوابير الذل على محطات المحروقات وأفران الخبز والغذاء وانقطاع الماء والدواء وتلوث الهواء، وفوضى الدولار وجنون الأسعار وشح الموارد الأساسية التي تسمح بحد أدنى من الحياة الكريمة للمواطنين اليائسين البائسين في وطن كان بالأمس وطن الأرز والحرف والجمال ليصبح بنظر البعض مقبرة الطموح والآمال، يشهد عالمنا المعاصر تطوراً هائلاً في شتى الميادين والمجالات وبخاصةٍ في مجال المعلوماتية وتطور تقنيات المعلومات وسرعة الحصول عليها والوصول إليها، الأمر الذي شكَّل ضرورة ملحة للبحث الجدي في ضرورة تطوير النصوص القانونية التي تتناول الجرائم الإلكترونية لجعل العالم الإفتراضي مساحةً أكثر أمناً وأماناً على قدر الإمكان مثله مثل العالم المادي.
ومع جائحة كورونا الاخيرة وما رافقها من بقاء الناس في منازلهم والتعليم عن بعد ظهرت أهمية التوعية وتحصين الطلاب والمجتمع وتطوير وسائل الحماية لمواجهة الأخطار من خلال تطبيق الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني حيث نشير إلى أن قطاع التعليم واجه خلال العام الدراسي 2020 / 2021 الكثير من الإشكالات التي تتعلّق بالبرامج الضارة، ولعل من أفدح المخاطر، بروز ظاهرة الـــ(Zoom Bombing)، والتي تمثّلت في مقاطعة الفصول الدراسية وبثّ مواد بذيئة وإباحية خلالها"، كما تم تسجيل العديد من أسماء النطاقات المشبوهة الخاصة بــ (Microsoft Teams) و (Google)، من خلال تنزيل برامج ضارة على أجهزة المتصلين بالنطاق، وخداعهم عبر طلب بيانات الدخول الخاصة بهم التي يستلمها المجرمون السيبرانيون".
وأكثر من ذلك فإن الخروقات السيبرانية التي تحصل، قادرة على تدمير المجتمع وإحداث انهيارات اقتصادية هائلة فيه عبر مهاجمة بورصات ومؤسسات مالية وسرقة معلومات أو تغيير في مضمونها، كما أنها قادرة على توتير العلاقات بين الدول وداخل المجتمع الواحد، الأمر الذي يجعلنا جميعاً مسؤولون عن إيجاد منظومة حماية إلكترونية للبنان، فهل أن القوانين اللبنانية الحالية قادرة على حمايتنا ؟!
من خلال النظر إلى القوانين اللبنانية التي يمكن الإستناد إليها لأجل معاقبة الجرائم الإلكترونية تهمنا الإشارة إلى أن قانون العقوبات اللبناني لم يشر إلى هذا النوع من الجرائم بشكل صريح، لكن رغم ذلك فانه يمكن عملياً تطبيق العديد من نصوصه التي تتناول الجرائم التقليدية في حال حصولها بواسطة وسائل الكترونية، حيث نذكر من بين هذه المواد جنحة المادة 281 عقوبات التي تعاقب بالحبس من دخل او حاول الدخول الى مكان محظور بقصد الحصول على أشياء أو وثائق أو معلومات يجب أن تبقى مكتومة حرصاً على سلامة الدولة. والمادتين 282 و283 عقوبات اللتان تعاقبان بالحبس "من يقدم على سرقة أو حيازة وثائق أو معلومات كالتي ذكرت في المادة /281 /بقصد افشائها" حيث يمكن القياس على اعتبار هذه الوثائق او المعلومات محفوظة الكترونياً.
كما ويمكن من خلال مواد قانون العقوبات اللبناني معاقبة مروحة واسعة من الجرائم الأخرى التي تستخدم بالوسائل الإلكترونية ، كمثل نشر تسجيلات أو فيديوهات أو مقاطع صوتية أو مواد أو صور او توجيه رسائل الكترونية على شبكة الانترنت من شأنها إضعاف الشعور القومي أو اثارة النعرات العنصرية أو المذهبية في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها (المادة 295 وما يليها) أو تحتوي على القدح والذم أو التحقير لأحد رجال السلطة العامة (المواد 383 لغاية 389)، أو لأحد الافراد (المادة 582 وما يليها)، أو تزوير بطاقات الاعتماد المصرفية الالكترونية وإستعمالها ( المادتان 471 و 454 ) أو تهديد بجناية أو بجنحة (المواد 574 لغاية 578 )، أو تعتبر إفشاءً لأسرار لا يجب أفشاؤها (المواد 579 عقوبات وما يليها) أو تشكل مساسا بالشعور الديني (المادتان 473 و474 عقوبات) او تشكل تعرضاً للآداب او الاخلاق العامة (المواد 531 و532 و533) حيث صدر حكم عن القضاء اللبناني في العام 2000 بتوقيف شخص لبناني سنداً لهذه المواد كونه يبث وينشر صوراً إباحية لأطفال عبر الانترنت حيث تمكنت السلطات الامنية اللبنانية من توقيفه بالتعاون مع الانتربول.
ونذكر من بين الجرائم الأخرى أعمال السرقة في حال كانت تطال أجهزة المعلوماتية المادية وليس البرامج والمعلومات الإلكترونية (المادة 635 وما يليها) وجرائم التهديد والإبتزاز (المادة 650). وجرائم الاحتيال أذا حصلت المناورات الاحتيالية بواسطة وسائل الكترونية. (المادة 655)، وتخريب الأشياء مثل اجهزة الكومبيوتر (المادة 733) . بالإضافة إلى قانون العقوبات، ثمة قوانين أخرى تعاقب على الجرائم الإلكترونية مثل قانون حماية الملكية الادبية والفنية رقم 75 تاريخ 13/4/1999 الذي يعتبر أول قانون لبناني يعاقب على بعض الجرائم الإلكترونية بنص صريح حيث نذكر أن المادة الأولى منه قد عرفت برنامج الحاسب الآلي بنص صريح والغى المواد /722 /لغاية /729 /ضمناً من قانون العقوبات، التي كانت تجرم التعديات على الملكية الادبية والفنية.
وكذلك نذكر مجموعة من القوانين الأخرى مثل القانون رقم 140 تاريخ 27/10/1999 الذي يرمي الى صون سرية المخابرات التي تجري بواسطة أي وسيلة من وسائل الاتصال والى تجريم الاعتراض غير الشرعي ، والقانون رقم 133 تاريخ 26-10-1999 المتعلق بتعديل المادة 70 من قانون النقد والتسليف فيما يختص بالعمليات والبطاقات والتحاويل الإلكترونية، والقانون رقم 431/ 2002 المتعلق بتنظيم قطاع خدمات الاتصالات على الاراضي اللبنانية وفرض عقوبات على المخالفين، وقانون حماية المستهلك 659 تاريخ 4/2/2005 الذي أورد تنظيما وفرض عقوبات على بعض المخالفات والجرائم المتعلقة ببعض العمليات التجارية التي تجري عن بعد بواسطة الانترنت، كما تم إنشاء مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية والملكية الفكرية بموجب مذكرة خدمة صادرة عن المديرية العامة لقوى الامن الداخلي في العام 2006، وألحق بقسم المباحث الجنائية الخاصة في الشرطة القضائية. ليصدر مؤخراً القانون رقم 205 تاريخ 30/12/2020 الذي يرمي إلى تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه...
بالخلاصة، ومن خلال هذا العرض للقوانين اللبنانية النافذة، فإن هذه الأخيرة لا تزال غير كافية لتجريم التعديات الناتجة عن التطور المتسارع لتقنيات المعلومات والاتصالات ولا يمكنها الاحاطة بالكثير من انواع الجرائم الجديدة المعروفة اليوم بالجرائم السيبيرانية، وأمام هذا الواقع القانوني تبرز أهمية إصدار تشريعات خاصة لهذه الجرائم يكون من شأنها الاحاطة بكافة أنواع التعديات الالكترونية التي ظهرت نتيجة للتطور الهائل والسريع في تكنولوجيا المعلومات.حيث تبقى الحاجة ماسة لاصدار تشريعات خاصة بجرائم المعلوماتية والانترنت يكون من شأنها الاحاطة بشتى انواع التعديات إما بتشريع قوانين خاصة تحدد بشكلٍ واضح ودقيق عناصر هذه الجرائم، وإما بتعديل قانون العقوبات العام عبر وضع فصل خاص يتعلّق بمكافحة جرائم المعلوماتية إضافة إلى توقيع معاهدات دولية بين الدول المعنية للتنسيق فيما بينها في هذا المجال مع تفعيل دور الاجهزة الامنية وتزويدها بالمعدات المتطورة وتأهيل عناصرها وإجراء دورات تدريبية للقضاة والمحامين المختصين في هذا المجال حيث أن لقاعدة الأهم في الأمن السيبراني تقوم على تضافر الجهود بين مختلف المعنيين بسلامة هذا الفضاء والمجتمع الإنساني.