هايل شرف الدين - 10- 9- 2023
في مامضى قال إبن سينا: "الخرافة تسبق المعرفة".هذه المقولة يمكن لها أن تنسحب على الكثير من الإنجازات العلميَّة التي تمّ استخلاصها من محاولات الإنسان الأولى الساعية وراء التكيُّف وتحقيق السلام النفسيّ، ولعلَّ التنويم "المغناطيسي" خير مثالٍ على هذا الرأي.
بدأ التنويم "المغناطيسيّ"بقلادة تتأرجح يميناً وشمالاً بيد جندي رومانيّ كان يحاول تسلية طفل صغير، فغطَّ الطفل في نومٍ عميق.
هذه المصادفة أدت فيما بعد إلى ابتكار إحدى أهم طرائق العلاج النفسي لسنواتٍ طويلة.
شاع في أوروبا العلاج بالمغناطيس، وذلك من خلال تمرير قطعة مغناطيس على مكان المرض بغية شفائه.
وكان رائد تلك الممارسات النمساوي "مِسمِر" صاحب فرضية "المغناطيسية الحيوانية"، والتي زعم من خلالها وجود طاقة مغناطيسية غريبة في جسم الإنسان، يستطيع من خلال تحكمه بها شفاء الأمراض.
إلى ذلك يُعدّ الطبيب والجرّاج الاسكوتلندي "جيمس بريد" أفضل من ساهم في تطوير تقنية التنويم، حيث عمل جاهداً على استخلاص الترياق الشافي من السم إن صح التعبير، ووضعه في خدمة العِلم، أي باستخلاصه للحالة العلميَّة من الممارسة غير الجادة.
وعلى صعيد متصل نفى "برامويل" وجود أي علاقة للمغناطيسية في عمليات التنويم وفي الشفاء الحاصل بعدها، فالنوم ، بحسب برامويل، هو نوم عصبيّ وذلك بسبب شلل مفاجئ يصيب المراكز والخلايا العصبية في المخ بسبب مجموعة عوامل ضغط مقصودة وممنهجة تقود إلى إرهاق الأجفان والعينين من جهة، بالتزامن مع استخدام مفردات موحية ومُكثَّفة هدفها تحريض رغبة النوم والتأثير على اللحاء (العقل) من جهةٍ ثانية.
أما فيما يخص سبب الشفاء الذي كان يحصل بعد النوم، فهو مرتبطٌ بالإيحاء أولاً وبقابلية "الدماغ العميق" على إعادة ترميم ذاته بمساعدة بسيطة من الخارج ثانياً.
فيكون الإيحاء هو العنصر الخارجي المُحرِّر لإمكانيات الدماغ المقيدة وتحرير الأرصدة المجمَّدة إن صح التعبير.
أثناء عمليتيّ التنويم والإيحاء (العلميتين) يقوم المُعالِج برفع "التاج" عن رأس المريض، ومن ثم إزالة الشوائب المزعجة، وبعد ذلك يعيد وضع "التاج" على رأس النائم وهذا كل شيء.
التاج في هذا التبسبط المجازيّ هو قشرة المخ التي يتم فصلها وتغييبها والتي تساوي الشعور والإرادة والإدراك والمحاكمة والقرار.
والشوائب هي عقدة نفسية أو مشكلة عاطفية أو فقد لقريب أو أخطاء بصدد تصحيحها.
وقد يسأل البعض لماذا لاتتم إزالة هذه العوالق بحضور الوعي؟ أو دون رفع تاج الوعي ودون أن نكلّف أنفسنا عناء التنويم؟
في هذه الحالة سوف نخسر أفضليتين اثنتين:الأولى لن يتمكن المريض من البوح التام بكل المخزونات والذكريات والمكبوتات بحضور الوعي والرقابة لأنه سوف يعتبر ظهورها أمراً غير لائق أخلاقياً.والثانية تجنباً منا لعمليات المقاومة التي سوف يبديها المريض للعلاج.
يثير موضوع التنويم "المغناطيسي" أو مابات يُعرف اليوم بالتنويم العصبي أو التنويم الإيحائي، الكثير من الغموض والريبة خاصةً من خلال ملاحظة السلوكيات الغريبة التي يبديها الخاضع لعملية التنويم أثناء جلسة تنويمه.
والحقيقة هي أنَّ المعالِج النفسي هنا يقوم بدور يشبه دور "رجُل المسرح الخفيّ" الذي يقوم بتحريك أحاسيس ومشاعر الشخص المنوَّم كيفما يشاء بهدف شفائه وتحرير أكبر كم من المكبوتات والعناصر السامَّة والمؤثِّرة على السلوك، وكأنما بين أصابعه خيوط الدمية التي تتحرك بإرادته في إحدى مسرحيات خيال الظلّ.