الذكاء المجازيّ والذكاء العملي لدى الطفل


هايل شرف الدين - 2-9-2023


للذكاء لدى الأطفال طبيعتين اثنتين، حددهما جان بياجيه: الذكاء المجازيّ والذكاء العملي..الذكاء المجازيّ هو الذكاء المُتغيّر أو الذكاء اللاثابت المنطوي على كل الوسائل التي يتمُّ من خلالها الاحتفاظ بالحالة وحجرها داخل الذهن، ومثالُ ذلك الإدراك الحسيّ، كالرسم والتخيُّل واللغة.
أما الذكاء العملي فهو الجانب الدائمُ النشاط من الذكاء، ذكاءٌ عامل، ويمثِّلُ جميع الاجراءات المُتَخَذة لمتابعة الأشخاص والأشياء، إضافةً إلى التوقُّع والاستعادة.
ولذا فإنَّ الذكاء المجازيّ يستمد معناه من جوانب الذكاء العمليّ.وليسمح لي القارئ بتشبيه الطفل هاهنا، وعبر هاتين الطبيعتين المتكاملتين من الذكاء، بالمصوِّر البارع الذي يسير بكاميراه من اليمين إلى اليسار وليس العكس، حيث العين التي تحفظ المشهد مثبَّتة على العدسة بينما عينه اليُسرى حُرَّةً تصطاد الجمال لتحتجزه لاحقاً على هيئة ممول دائم للعين الأولى!
إنَّ الذكاء العمليّ يشكل إطار عملية فهم الاطفال وتصورهم للعالم. وإمكانية تغيره إذا كان هذا الفهم غير صحيح، وبالتالي فإنَّ الذكاء العمليّ للطفل هو ذلك النفق الذي يمر من خلاله فهمه وتفحصه لهذا العالَم الذي يحيط به.
إنَّ عمليتيّ الفهم والتغيير هاتين تتوقفان على وظيفتين أساسيتين هما: الاستيعاب والتمثُّل.
ولتوضيح المعنى نقول إنَّ الاستيعاب مع التكيُّف البصريّ يشكّلان الكيفية التي يتصوّر بها الطفل المعلومات الجديدة الوافدة ومن ثمَّ جعلها متلائمةً مع المخططات المعرفية السابقة، بينما يكون التمثُّل أو الإقامة، عبر تحويل المخططات الموجودة سابقاً لتتناسب مع المعلومات الحديثة.
وبالمختصر فإنَّ الوظيفة الأولى (الاستيعاب) تقوم بتغيير الوافد بما يتناسب مع الموجود سابقاً، بينما تقوم الوظيفة الثانية (الإقامة) بالعكس من ذلك، من خلال تجهيز المخزون القديم بمايتناسب مع القادم الجديد.ومن أجل قياس مستوى الذكاء لدى الأطفال، وإمكانية تنميته وتطويره، قدّم بياجيه الكثير من الاختبارات التي تأخذ شكل الروائز والوسائل الإسقاطيَّة، وخاصةً تلك التي ترتكز على الرسم على اعتبار أن الطفل لايتكلَّم كثيراً بقدر مايعمل (بالمعجون للتشكيل والبناء بالمكعبات...).
إنَّ طرائق الرسم الاختبارية تطورت كثيراً في مابعد بياجيه، من خلال علم النفس التحليلي، حيث يُطلب من الطفل على سبيل المثال رسم أشياء على غرار شجرة أو بيت، أو رسم صورة أحد والديه.
وهنا قدّ يرسم الطفل شجرةً مثمرة ليدلل بذلك على اكتفائه داخل المنزل وعدم شعوره بالحرمان، أو على العكس قد يرسمها مبتورة الأغصان أو من دون أوراق ليشير إلى إحساسه بالعوز، وربما يرسمها بحجم صغير ليشير إلى مردوده المتواضع خارج منزل والديه،وجميعها تمثل رسائل لاشعورية لا تطلب الإذن بالظهور عند الحاجة.
وهنا لابد من التنويه إلى ضرورة وضع الحوافز ذات الدور الكبير في تطوير الذكاء عند الطفل،كأن تقوم المعلمة في المدرسة بوضع مكافأة رمزيّة لكل تلميذ يتفوّق في الامتحان وأن تقوم بالثناء عليه وبتكريمه أمام زملائه؛ الأمر الذي سيؤدي إلى توسيع أفق الطفل ودفعه لمزيدٍ من النجاح مستقبلاً.